سورة الأنفال - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


{يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)}
قوله تعالى: {يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ} مجادلتهم: قولهم لما ندبهم إلى العير وفات العير وأمرهم بالقتال ولم يكن معهم كبير أهبة شق ذلك عليهم وقالوا: لو أخبرتنا بالقتال لأخذنا العدة. ومعنى {فِي الْحَقِّ} أي في القتال. {بَعْدَ ما تَبَيَّنَ 10} لهم أنك لا تأمر بشيء إلا بإذن الله.
وقيل: بعد ما تبين لهم أن الله وعدهم إما الظفر بالعير أو بأهل مكة، وإذ فات العير فلا بد من أهل مكة والظفر بهم. فمعنى الكلام الإنكار لمجادلتهم. {كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} كراهة للقاء القوم. {وَهُمْ يَنْظُرُونَ} أي يعلمون أن ذلك واقع بهم، قال الله تعالى: {وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ} أي يعلم.


{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}
قوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ} {إِحْدَى} في موضع نصب مفعول ثان. {أَنَّها لَكُمْ} في موضع نصب أيضا بدلا من {إِحْدَى}. وتودون أي تحبون {أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} قال أبو عبيدة: أي غير ذات الحد. والشوكة: السلاح. والشوك: النبت الذي له حد، ومنه رجل شائك السلاح، أي حديد السلاح. ثم يقلب فيقال: شاكي السلاح. أي تودون أن تظفروا بالطائفة التي ليس معها سلاح ولا فيها حرب، عن الزجاج. {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ} أي أن يظهر الإسلام. والحق حق أبدا، ولكن إظهاره تحقيق له من حيث إنه إذا لم يظهر أشبه الباطل. {بِكَلِماتِهِ} أي بوعده، فإنه وعد نبيه ذلك في سورة {الدخان} فقال: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} أي من أبي جهل وأصحابه. وقال: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}.
وقيل: {بِكَلِماتِهِ} أي بأمره، إياكم أن تجاهدوهم. {وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ} أي يستأصلهم بالهلاك. {لِيُحِقَّ الْحَقَّ} أي يظهر دين الإسلام ويعزه. {وَيُبْطِلَ الْباطِلَ} أي الكفر. وإبطاله إعدامه، كما أن إحقاق الحق إظهاره {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ}. {وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}.


{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)}
قول تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} الاستغاثة: طلب الغوث والنصر. غوث الرجل قال: وا غوثاه. والاسم الغوث والغواث والغواث. واستغاثني فلان فأغثته، والاسم الغياث، عن الجوهري.
وروى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني. اللهم ائتني ما وعدتني. اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض. فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فأمده الله بالملائكة». وذكر الحديث. {مردفين} بفتح الدال قراءة نافع. والباقون بالكسر اسم فاعل، أي متتابعين، تأتي فرقة بعد فرقة، وذلك أهيب في العيون. و{مردفين} بفتح الدال على ما لم يسم فاعله، لأن الناس الذين قاتلوا يوم بدر أردفوا بألف من الملائكة، أي أنزلوا إليهم لمعونتهم على الكفار. فمردفين بفتح الدال نعت لألف.
وقيل: هو حال من الضمير المنصوب في {مُمِدُّكُمْ}. أي ممدكم في حال إردافكم بألف من الملائكة، وهذا مذهب مجاهد. وحكى أبو عبيدة أن ردفني وأردفني واحد. وأنكر أبو عبيد أن يكون أردف بمعنى ردف، قال لقول الله عز وجل: {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} ولم يقل المردفة. قال النحاس ومكي وغيرهما: وقراءة كسر الدال أولى، لأن أهل التأويل على هذه القراءة يفسرون. أي أردف بعضهم بعضا، ولأن فيها معنى الفتح على ما حكى أبو عبيدة، ولأن عليه أكثر القراء. قال سيبويه: وقرأ بعضهم {مردفين} بفتح الراء وشد الدال. وبعضهم {مردفين} بكسر الراء. وبعضهم {مردفين} بضم الراء. والدال مكسورة مشددة في القراءات الثلاث. فالقراءة الأولى تقديرها عند سيبويه مرتدفين، ثم أدغم التاء في الدال، وألقى حركتها على الراء لئلا يلتقي ساكنان. والثانية كسرت فيها الراء لالتقاء الساكنين. وضمت الراء في الثالثة اتباعا لضمة الميم، كما تقول: رد ورد ورد يا هذا. وقرأ جعفر بن محمد وعاصم الجحدري: {بآلف} جمع ألف، مثل فلس وأفلس. وعنهما أيضا {بألف}. وقد مضى في آل عمران ذكر نزول الملائكة وسيماهم وقتالهم. وتقدم فيها القول في معنى قوله: {وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى}. والمراد الإمداد. ويجوز أن يكون الإرداف. {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} نبه على أن النصر من عنده جل وعز لا من الملائكة، أي لولا نصره لما انتفع بكثرة العدد بالملائكة. والنصر من عند الله يكون بالسيف ويكون بالحجة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8